الدامـر تلقـن البجـا درسـا
د.ابومحمــد ابوامــنةا
للبجا علاقة قديمة ضاربة في عمق التاريخ تربطهم بقبائل الجعليين نتيجة لتجاور ممالك البجا لممالك الجعليين في الماضي القديم, وقد كانت القوافل التجارية التي تحمل الصادر والوارد من والي سواكن كان مرساها مدينة بربر التي كانت مركزا تجاريا هاما وكان لتجار سواكن وكلاء في هذه المدينة ذات الاهمية التجارية. استقروا وتزاوجوا مع السكان الاصليين. وكانت بربر عاصمة لمنطقة البحر الاحمر بما فيها مثلث حلايب في بداية القرن العشرين.ـ
كثير من قبائل البجا ترجع اصولها لآباء جعليين كالشرعاب والنابتاب والقرعيب حسب روايات شعبية متوارثة.ـ
ومن ناحية اخري ترجع اصول بعض قبائل الجعليين الي قبائل البجا, كآل الخواض والقري حول ام بكول وكثير من اسماء الجبال والوديان والقبائل تحمل اسماء ومعاني بجاوية وخاصة تلك التي تنتهي ب (اب) كالميرفاب, كذلك يرجع بعض اسماء مدن مثل شندي وأتبرة ومروي لاصول مفردات بجاوية.ـ
تعيش قبائل الجعليين في شرق السودان منذ القدم, تآخوا مع المواطنين وتزاوجوا معهم واتقنوا لغتهم, شاركوا في نشر العلم واسسوا الخلاوي وبنوا قراهم وسط التلال. في بعض مناطق الشرق يصعب علي المرء ان يميز بين من هو البجاوي ومن هو الجعلي, اذ يتحدث الاثنان اللغة البجاوية ويلبسون الصديري ويحملون السيف, كما هو الحال في القري حول جبال اركويت وفي مناطق بعلوك علي نهر عطبرة.ـ
ينظر البجا بكل اجلال وتقدير للمجاذيب كأهل علم وورع ودين.ـ
التاريخ يشهد.. المك نمر وقياديوه من حوله كانوا يستعملون اللغة البجاوية فيما بينهم عندما كانوا يخططون لتلقين اسماعيل باشا درسا حين اساء لقبائل الجعليين متمثلة في المك. هل كان ذلك مجرد صدفة؟
عندما اندلعت الثورة المهدية كان اهل اركويت اول مؤيديها وكان يسكن هناك الشيخ المجذوب الطاهر الجعلي الذي رفض تولي امارة المهدية بالشرق عندما كلف بذلك, ورشح عثمان دقنة بدلا عنه الذي قبل التكليف. الا ان الشيخ الجليل الطاهر المجذوب بقي الي جانبه خلال الثورة المهدية. ويذكر بعض المؤرخين بانه هو الذي كان يدون نشرات وخطابات الامير للمهدي.ـ
الفريق احمد محمد اول قائد للجيش السوداني بعد الاستقلال كان جعليا من ناحية الوالد,بجاويا من ناحية الام والامثلة كثيرة لا تحصي .ـ
عندما انعقد مؤتمر البجا عام 1958 في بورتسودان كان المرحوم ميرغني ابوضبعة, شيخ الجعليين في المدينة, يواظب علي الحضور والمشاركة كما لم يتخلي محمد علي رقيعة عن دعمه لقضايا البجا حتي اليوم.ـ
كما لقننا المجاذيب في الماضي دروس الدين والفقه والورع يصر اهل الدامر اليوم علي تلقين البجا دروسا في دروب مختلفة في الحياة ولكنها هامة الا وهي الدفاع عن الارض.ـ
البجا عرفوا منذ القدم بانهم يقدسون الارض ويتقاتلوا من اجلها ويهدرون الدماء دفاعا عن اي شبر منها, لكن في ما بينهم. .وكم وكم سالت الدماء في الوديان من اجل ذلك الشبر.!ـ
اهل الدامر يصرون علي تلقين البجا الدروس.ـ
جاءت الانباء تقول انه في يوم 6/أبريل 2010م وبمدينة الدامر, موطن الشيخ الجليل الطاهر المجذوب راجل اركويت, هاجمت مجموعة من شباب العكد مشروعا زراعيا ومحلات تجارية وعربات يمتلكها شاب بجاوي من ناحية والده, جعلي من ناحية والدته, وقامت بحرقها تماما كما تفعل حكومة الانقاذ في دار فور, وكان من الملفت للنظر مشاركة شخصيات سياسية وعشائرية قيادية فيها.ـ
قبل الدخول في تفاصيل القضية يجب تسجيل حقيقة ثابتة وهي ان الاراضي الزراعية والسكنية والاستثمارية من الخرطوم وحتي اقصي الشمال تنتمي فقط للقبلئل التي تسكن في تلك المنطقة, بمعني اخر مثلا اراضي منطقة المحس الزراعية والسكنية هي اراضي للمحس وليس لغيرهم, توارثوها عن الاباء والجدود ولن يفرطوا فيها. يسري هذا علي اراضي الجعليين وعلي كل قبائل الشمال.ـ
اليوم لا تجد اي من البجا يمتلك ارضا زراعية او قطعة سكنية او استثمارية في شمال السودان والي اليوم قلما تجد اسماء بجاوية عندما يتم التخطيط حتي في العاصمة الخرطوم. ليس هذا فحسب بل قلما تجد اسماء بجاوية عندما يتم التخطيط لمواقع الدرجة الاولي في عواصم الاقليم الشرقي كبورتسودان وكسلا, حيث يرمي بالسكان الاصليين الي خارج المنطقة المخططة, الي العشوائي حيث لا خدمات من مواصلات وطرق وصحة بيئة. اليوم لا تجد سوي حفنة قليلة من البجا في الاحياء الراقية في مدن الشرق, كما لا تجدهم في المنازل الحكومية التي توزع للموظفين والعمال.ـ
يرمي بهم الي خارج التخطيط وتنزع الاراضي وتخطط وتمنح للوافدين من الشمال واواسط السودان ونحن نسكت ونستسلم.ـ
الا ان أهل العكد رفضوا ذلك, رفضوا ان تمنح قطعة زراعية واحدة لفرد بجاوي من اراضيهم, رغم انهم وأهل الشمال يملكون كل ما يريدون من اراضي زراعية وسكنية واستثمارية في الشرق ويسيطرون علي الاقتصاد وعلي الوظائف العليا في الخدمة المدنية والعسكرية وعلي الاحياء الراقية بما فيها من خدمات من ماء وكهرباء ومدارس ومواصلات في كل مدن الشرق بينما البجاوي يرمي به الي العشوائي في اطراف المداين.ـ
لقننا اهل العكد دروسا غالية..ـ:ـ
الدرس الاول يقول لا تمكلوا اراضيكم التي ورثتمونها عن الاباء والجدود للدخلاء والنازحين مهما امتلكوا من وثائق واوراق حكومية, اعتبروها اراضي مسلوبة واسعوا لتحريرها من المعتدين.ـ
الدرس الثاني يقول سيروا المواكب, نظموا المظاهرات, اكتبوا العرائض وقدموها للسلطة,واشركوا القيادات السياسية والعشارية في كل تحركاتكم واتصالاتكم بالمسئولين في مختلف المستويات .ـ
عندما تفشل كل هذه الوسائل في اجلاء الغاصبين يأتي الدرس الرابع والاهم في القصة كلها.ـ
الدرس الرابع يقول ما اخذ بالقوة لن يسترد الا بالقوة. ولذلك تحركت جموع الشباب بحماس في الدامر في مواكب هادرة وحرقت المزرعة والآليلت والعربات التي يمتلكها البجاوي وقاموا بضرب شقيقه حتي شلرف علي الموت مما استوجب تحويله الي مستشفي الخرطوم.ـ
هذه الدروس تجدونها بشكل مفصل كما خطها يراع الاستاذ علي محمد احمد علي موقع:--
http://www.sudaneseonline.com/ar3/publish/article_504.shtml
سلب منا النازحون الاراضي في المدن ورموا بنا للعشوائي وسكتنا... سلبوا منا المناجم وسكتنا... سلبوا منا مشروع القاش وحولوه للرأسمالية الطفيلية الانقاذية وسكتنا … نهبوا ذهب ارياب وسكتنا .. استولوا علي موارد الميناء وسكتنا .. شردونا .. جوعونا .. فصلونا .. امرضونا .. وسكتنا …
فالي متي السكوت؟ .. الي متي؟!ـ
يجب ان نستوعب دروس اهل الدامر, يجب ان نؤمن بان ما اخذ القوة لن يسترد الا بالقوة. يجب تقديم الاحتجاجات وتنظيم المواكب وتقديم العرائض لحل مظالم أهل الشرق, وعندما لا تجدي هذه الوسائل يجب المواجهة العنيفة ايمانا بان ما اخذ بالقوة لن يسترد الا بالقوة.
يجب استرداد اراضي القاش الزراعية وطرد الرأسمالية الطفيلية.
الي جانب ذلك يجب ان نسعي منذ اليوم قبل الغد بان يتم توزيع اراضي ستيت علي السكان الاصليين والا تباع للمستثمرين الغرباء عربا كانوا ام اجانب.
السكان الاصليون هم اصحاب الحق في استثمار اراضيهم, ومواثيق الامم المتحدة التي اعترفت بها الحكومات السودانية تمنح الاولوية للاستثمار للسكان الاصليين.
علي ثوار البجا ان يرفعوا الصوت عاليا بانصاف السكان الاصليين قبل ان تقدم السلطة ببيع اراضي البجا, والا فدروس الدامر يجب ان نضعها علي ارض الواقع ونسعي بانتزاع حقنا بقوة سواعدنا.
يجب علي شباب البجا ان يستفيد من تجاربه السابقة في مواجهة النظام الاجرامي, يجب عليه الاقدام بشجاعته المعهودة رغم التضحيات التي يتطلبها الموقف, فتراكم التجارب يرفع من الخبرة الثورية ويؤدي في النهاية الي النصر الأكيد.
بانطلاق النضال المسلح في منتصف القرن الماضي تكون ثورة البجا قد حققت انجازات كبري في تاريخها الحديث كما يقول القيادي البجاوي محمد الأمين محمدطاهر أبوطاهر في مقاله المميز http://www.sudaneseonline.com/ar3/publish/article_446.shtml
بسودانيزاونلاين بتاريخ 26 يونيو 2010 ... وقدمت أدلة جديدة لصلابة وإيمان وشجاعة ومقدرة الشعب البجاوي علي تغيير الواقع والمفاهيم و أكتساب الاستعداد الدائم للتضحية تناسب وعيه مع إيمانه المطلق بحتمية النصر.
يجب ان نضع ايدينا في ايدي كل القوي الخيرية التي تسعي لبناء وطن حر ديموقراطي لا مكان فيه للاستعلاء البغيض والهوس الديني ودغدغة شعور البسطاء ليحاربوا بعضهم البعض.. سودان يسود فيه الوئام والتآخي بين جميع اثنياته, ويرفرف علم المساواة والعدل والرفاهية عاليا في سمائه.ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق